دائماً ما يفرض العمر علينا شروطه.. ففي الطفولة كنا نتطلع إلي المستقبل.. وفي سنوات الشباب كنا نستمتع بقوتنا وحرارة الدماء في عروقنا.. وفي خريف العمر نتعامل مع أنفسنا ومع غيرنا بنضج وبهدوء.. وفي كهولتنا نميل إلي الراحة والتأمل.
وهكذا تمضي حياتنا من مرحلة لمرحلة وفي كل مرحلة نجد أنفسنا خاضعين لشروط العمر.. ففي مرحلة الطفولة لا يمكن ان نتجاسر ونؤدي أعمالاً أكبر من طاقة أجسادنا وعقولنا.. وفي مرحلة المراهقة تضطرب هرموناتنا وتأسرنا غرائزنا التي تبحث لنفسها عن الميلاد.. وفي مرحلة الشباب نؤسس لبناء أسرتنا ولنجاحنا في عملنا.. وفي خريف العمر نبدأ في حصد ما بذرناه في رحلة العمر.. وفي شيخوختنا نعود إلي دفء ا لتأمل والاحتياج إلي الحنان.
فلكل مرحلة من مراحل العمر شروطها واحتياجاتها ومتطلباتها.. لكننا دائماً يجب ان نلاحظ أننا في كل المراحل كنا وسنظل مرتبطين بشرط أساسي.. أو بارتباط شرطي كما تسميه العلوم الانسانية.. وهو وجود الآخر في حياتنا.. ففي الطفولة نحن في حاجة إلي الأم ونتعلق دائماً بها.. وبغيرها تصعب علينا الحياة وربما تستحيل.. ولذلك يعاني الطفل اليتيم الأم من مشاكل نفسية وحياتية كثيرة.. وفي مراهقتنا نكون في حاجة إلي الأب والأم والأهل والاصدقاء.. وقد يتعرض المراهق لهزات نفسية مؤلمة لا يخلصه منها إلا شعوره بالحنان ا لأسري ولا يطمئن ولا يرتاح الا اذا كان في حياته أصدقاء وصديقا ت.. وربما يكون الاصدقاء هم العنصر الأكثر تأثيراً علي شخصية المراهق.. ويؤثرون علي قراراته وتطلعاته وقراراته المصيرية أما في مرحلة ا لشباب فان الاحتكاك بزملاء الدراسة الجامعية وبزملاء العمل يكون له الأثر الأكبر في تكوين شخصية الشاب وفي توجيه تطلعاته وطموحاته..
وقد تكون مرحلة الشباب هي أهم مراحل العمر لأننا فيها نكون أكثر قدرة علي بذل الجهد الوفير وأكثر قوة في العطاء.. وفيها أيضاً نتخذ قراراتنا المصيرية باختيار شريك الحياة.. وإقامة مشروع عمرنا الاساسي ببناء عش الزوجية وفي مرحلة خريف العمر نبدأ في الاستمتاع بنجاح الأبناء في دراستهم.. وبنجاحنا في ا لوصول إلي شاطيء الاستقرار والأمان ولذلك فعندما نصل إلي مرحلة الشيخوخة فإننا نعود إلي الاستمتاع بالصفاء الذهني.. ونشعر بالسعادة تغمرنا كلما رأينا أحفادنا وكلما التقينا برفاق
رحلة العمر.. ونشعر بالحنين إلي الخلود والراحة وتضيق دائرتة اهتماماتنا بالتفاصيل ونحكم علي الأمور بعين متأملة ومستوعبة لكل الاحداث ولديها خبرة عتيقة قادرة علي التحليل والاستنتاج.
فتلك هي شروط العمر علينا جميعاً.. أو هكذا يجب ان تكون علي الأسوياء منا.. لكن علينا أن نلاحظ ان تلك الشروط تتوقف لدي المرأة عند مرحلة الشباب.. فهي تتخيل أو تتوهم أو هكذا تحاول اقناع نفسها ان الشباب سيظل بداخلها لآخر عمرها.. ولذلك كثيراً ما نسمعهن حين يقلن "ان الشباب شباب القلب" وكثيراً جداً ما نراهن وهن يشترين كريمات الشباب ويجرين عمليات التجميل في وجوههن وأجسادهن ويحلمن دائماً بأن تدوم مرحلة الشباب حتي آخر أعمارهن.. فهذه العجوز الشمطاء تتباهي بنحافتها وكأنها غصن البان وتلك العانس تتأنق متعشمة في عريس يمنحها لقب زوجة لتزيد من زهوها بنفسها.. وهذه المرأة الخمسينية تتمايل وتتأنق في مشيتها كالمراهقات لتؤكد أنها لاتزال في عز شبابها ولا تخجل من ارتداء الجينز المحزق أو الستوماك أو التوب لتظهر للجميع مفاتن أنوثتها.. فدائماً وأبداً تكره المرأة عمرها.. ولا تشتاق لعيد ميلادها الا لتحصل علي الهدايا.. وتتمني من بناتها وأبنائها وأحفادها ان ينادونها باسمها وليس بماما.
واذا تأملنا كل شروط العمر واستوعبناها علي أنها حقيقة لا يمكن الهروب منها.. سنستمتع كثيراً بكل مرحلة من مراحل عمرنا.. فللشباب متعته وللنضج متعته.. ولخريف العمر متعته.. وعلي كل منا ان يستمتع بأيام عمره ولا يتمرد علي ما تفرضه عليه من شروط.. فكل يوم من عمرنا جميل وسيكون أجمل اذا ما حرصنا علي الاستمتاع به وعدم التمرد عليه.
للكاتب:
صفوت أبوطالب
[img][/img][b]